كتاب التفسير العلمى للسعادة والضحك والنوم
هل تريد أن يكون هذا الكتاب متوفر في اقرب وقت ممكن؟
كتاب التفسير العلمى للسعادة والضحك والنوم بقلم أحمد مستجير.. التفسير العلمي للسعادة والضحك والنوم عرض: محسن حسن يعد كتاب " التفسير العلمي للسعادة والضحك والنوم " للراحل الدكتور أحمد مستجير ، والصادر عن الشركة المصرية للنشر العربي والدولي بالقاهرة في مئة وواحد وسبعين صفحة من القطع المتوسط ، أحد الكتب المثيرة في مجال دراسة الظواهر السلوكية الإنسانية بأسلوب علمي متأدب ؛
ففيه حاول الكاتب أن يجيب على أسئلة غير مألوفة ، قلما يفكر الإنسان في طرحها على نفسه في الغالب ، نظراً لكون المسؤول عنه أمراً لا ينفك عن سلوكياته اليومية المتكررة ، أو لكونه يمثل ظاهرة نسبية يصعب تحديد وحصر أسبابها من جهة واحدة ، وهذه الأسئلة التي يطرحها الكتاب مثل : لماذا نضحك ؟ وهل تضحك النساء أكثر من الرجال ؟ هل الشعور بالسعادة نتيجة لمساعينا وخبراتنا ، أم نتيجة بنية المخ والأعصاب ؟ لماذا نحب الموسيقى جميعاً ؟ هل لها ضرورة بيولوجية ؟ ما الفرق بين التعسيلة والغطيط ؟ وما هو ديدن النوم ؟ متى وأين تبدأ الشيخوخة في أجسادنا ؟ ومن الجدير بالذكر إن الدكتور مستجير معروف عنه استغراقه العلمي الواسع في دراسة مثل تلك الظواهر السلوكية والإنسانية التي يسأل ويجيب عنها ، كما أن أسلوبه في طرحها ومناقشتها لا يخلو من طرافة علمية وأدبية على الأرجح ، وهو مما يعطي هذا الكتاب أهميته من الوجهتين العلمية والعلمية المتأدبة ، بالإضافة لما يقدمه من معلومات غاية في الإثارة والتشويق ، لا تعطي القارئ فرصة لترك الكتاب منذ اللحظة الأولى التي تمسكه يداه .
علم السعادة
يستهل الدكتور أحمد مستجير كتابه بالبحث عن إجابة لسؤال مهم ، هو هل السعادة نتيجة سعي إنساني أم نتيجة تركيبة المخ والأعصاب ؟ ثم ينطلق إلى آفاق المعطيات العلمية في هذا الشأن ؛ فيعرف السعادة أولاً بأنها " إحساس بالغبطة الحقيقية طويلة الأمد " وأنها " ليست ضحكة طيبة ، أو لهواً قصيراً ، أو سروراً زائلاً ، ليست بضع لحظات هانئة نقضيها قبل أن نعود إلى الحياة القاسية " ، ومن ثم يلفت نظر القارئ إلى وجود اتجاهات علمية حديثة ، ترصد الأسباب العلمية والبدنية والوراثية لتحقيق السعادة ، من خلال التركيز على مركبات المخ ومكوناته التي يمكن التأثير عليها عن طريق الأدوية والعقاقير ، وفي هذا الإطار يأتي ذكر الفيلسوف والسيكولوجي الكبير " ويليام جيمس " الذي يؤكد أن السعادة قديماً كانت النتيجة المباشرة للعمل الشاق والقرارات الحياتية الصائبة ، وأن أي اقتراح بوراثية أو بيولوجية السعادة كان كفيلاً بوصف صاحبه بالـ " أبله " أو الـ " وغد " ، ويذكر الدكتور مستجير أن بدايات إخضاع السعادة لمؤثرات العلوم تمثلت فيما أورده " ألدوس هكسلي " عام 1931 في روايته الشهيرة " عالم جديد شجاع " عندما تخيل فيها العالم بعد ستمئة عام ، وتنبأ بالكثير من المشكلات ، من بينها عقار بلا آثار جانبية أسماه " صوما " يخلص الإنسان من الكرب والألم وفراغ الحياة في مجتمع طبقي مفرط في تكنولوجيته مفلس في روحانيته ، والغريب ـ كما يذكر مستجير ـ أن هكسلي فوجئ بحدوث تطورات علمية في مجالى " الوراثة " و " علم العقاقير " فأدرك إمكانية تحوير الطبيعة الإنسانية وراثياً قبل الولادة ، وأن انفجاراً معرفياً في مجال عمل المخ سيمكننا في النهاية من تغيير الطبيعة البشرية بعد الولادة بتخليق عقاقير تناغش آلية المخ الرهيبة المراوغة .
النقطة المرصودة
وفي سياق الحديث عن تأثير العقاقير في إحداث السعادة المنشودة ، ذكر الدكتور مستجير أن تجارب عديدة تمت في هذا الشأن استخدمت فيها عقاقير ومضادات اكتئاب مثل " إيبرونيازيد ـ بروزاك ـ زولوفت ـ ريمرون ـ سيرزون " ، حتى أن عقار " بروزاك " مثلاً وصف عام 1997 لأكثر من 34 مليون أمريكي ، ومن الحقائق الاجتماعية والطبية المثيرة التي يستخلصها الدكتور مستجير هنا ، أن استخدام مضادات الاكتئاب لجلب " السعادة " غدا أمراً جائزاً ومنطقياً وأخلاقياً ، حتى ممن لم يكن يشخص مريضاً ، نتيجة التحول الثقافي ، ومعه التقدم المذهل في مجالي بحوث المخ والعقاقير ، وبفعل ضبابية الحدود بين التعاسة " الإكلينيكية " و " التعاسة " العادية " ، ويتطرق الكاتب إلى دراسات علمية طريفة ومثيرة عن علاقة السعادة بالمال ؛ حيث وجد العلماء أن الرابطة ضعيفة بين السعادة وبين ما يعتقد معظم الناس أنه يجلب السعادة ومن ذلك المال ، فدخل الألماني ضعف دخل الأيرلندي ، لكن الأيرلنديين أسعد ، أما اليابانيون ـ وهم من بين أثرى شعوب العالم ـ فكانوا من بين الدول الأقل سعادة ، ومما تطرق إليه الكاتب ـ أيضاً ـ بعض الدراسات العلمية التي أثبتت أن " المزاج الطبيعي " للإنسان يأتي من الداخل لا من الخارج ، وأن " النقطة المرصودة " التي هي نقطة حظ الفرد من السعادة ، تمثل المستوى الثابت ، طويل الأمد من السعادة ، الذي يعود إليه " المزاج الطبيعي " للإنسان ـ لا محالة ـ مهما تأرجح هذا المزاج بين الفرح والحزن ، ولا يغفل الكتاب في هذا الإطار أن يتطرق إلى ما يعرف بـ " الآلية " التي تتحكم في المزاج ، وكيفية تمكن العقاقير من تغيير نظر الإنسان إلى الحياة ، وعلاقة ذلك بقشرة المخ ، بالإضافة إلى محاور أخرى عن علاقة الجينات بالسلوك الإنساني ، وعلاقة الديمقراطية بسعادة الشعوب .
جدوى الألم
ومن أفضل ما يناقشه الكتاب علمياً وإنسانياً ، فائدة الألم بالنسبة للإنسان ـ في إطار الحديث عن معنى السعادة المنافية للألم ـ ، وكيف أن " فتاة مونتريال " التي لم تشعر بصداع مطلقاً ، ولم تؤلمها أسنانها يوماً ، ولا أحست بمغص في بطنها أو ألم في أذنها ، ولا أحست بحاجتها إلى أن " تهرش " جلدها .. لم تعرف معنى كلمة " ألم " ، أجريت لها عملية جراحية لإزالة ورم بمؤخرة رأسها عندما كان عمرها 21 شهراً ، فلم تصرخ ألماً ، وعندما بلغ عمرها ثلاث سنوات أصيبت في كعبها بالتهاب نخاع العظام نتيجة تلوث بكتيري يحدث كثيراً عند كسر العظام ، لكنها لم تشعر بشيء ، واكتشفته أمها في ما بعد ... إلى آخر التفاصيل في هذه القصة ، التي يستخلص الكاتب منها حقيقة إنسانية وعلمية مهمة ، هي " جدوى الألم " وأهميته بالنسبة للإنسان ، ومن ثم نسبية العلاقة بينه وبين السعادة ؛ فليس كل متألم فاقداً للسعادة ؛ ومن ثم فالألم ـ رغم فظاعته ـ ليس شيئاً سيئاً ، بل هو في الحق ثمين يقدم لنا الإشارات الفورية اللازمة لضمان بقائنا ، إن عدم القدرة على الشعور بالألم أمر خطير وقاتل ، لا يجب أن ننظر إلى الألم على أنه عدو يلزم قتله بأسرع ما يمكن .
لماذا نضحك ؟
وفي مستهل إجابته عن هذا السؤال ، يستشهد الكاتب بقول الفيلسوف الأمريكي " جون مورِّل " : " إن الضحكة البشرية الأولى ربما تكون قد صدرت تعبيراً عن الارتياح لزوال خطر ما " ثم يوضح آراء البعض في أن ضحك الإنسان قد تطور كوسيلة لتشكيل العلاقات بين الناس وتوطيدها ، كانت البسمة أولاً ننقل بها إلى الآخر الرغبة في التواصل ، ومع الزمن أصبح من السهل تزييف البسمات ، وتطلب الأمر إشارة أكثر تعقيداً ، فكان الضحك ، الذي يتطلب من الجهاز العصبي طاقة أكثر ، وبذا يصعب تزييفه ، وإذن حلَّ الضحك محل الابتسام كدلالة أمينة على الرغبة في الانخراط في صفوف الجماعة . أما عدوى الضحك ـ أي كون الضحك معدياً ـ فيستدل عليه الكاتب بواقعة غريبة حدثت في تنجانيقا في قرية " كاشاشا " الصغيرة على الشاطئ الغربي لبحيرة فيكتوريا ؛ حيث اجتاحت نوبة ضحك مجموعة صغيرة من البنات بمدرسة داخلية أعمارهن تتراوح ما بين 12 و 18 سنة ، ثم انتشرت بسرعة في صورة وباء أصاب المجتمعات المجاورة ، حتى تطلب الأمر إغلاق المدارس لمدة ستة أشهر . ويخلص الكاتب إلى أن " الضحك المعدي " صفة مؤكدة يتميز بها جنس الإنسان ، وهو ما يثير ـ في رأي الكاتب ـ احتمال أن يكون لنا نحن البشر مكشاف سمعي أو دارة عصبية في المخ تستجيب فقط للضحك ، والتثاؤب المعدي يتضمن عملية مثيلة في المجال البصري ، وبخصوص هذا الاحتمال ، يروي الكاتب قصة " ويلي أندرسون " الذي كان يرقب نعش أمه يهبط إلى القبر ، في صباح شتاء عام 1931 بإحدى جبَّانات لندن ، وعندما كان يحني رأسه في خشوع فجأة ، ولدهشة الجميع ورعبهم ، إذا به يضحك ، حاول في البداية أن يكتم الضحك ، فأخفى فمه بيده ، لكنه لم يستطع ، ارتفع صوت ضحكه ، فترك المكان على عجل ، وبعد بضع ساعات كان لا يزال عاجزا عن التحكم في الضحك ، فأخذته عائلته إلى المستشفى ، لكنه مات بعد يومين من دخولها ، ولما فحصت جثته بعد الوفاة ، اتضح أن ورماً في شريان بقاع المخ قد انفجر ، ليضغط على غدة " الهيبوثالامص " وأنسجة أخرى قريبة منها . ويتطرق الكتاب إلى مناقشات وسجالات علمية طريفة حول الضحك عند الحيوانات ، والدغدغة ، والسلوك الاجتماعي واللغوي للضحك ، والضحك المعلب ، والفرق بين ضحك الرجل وضحك المرأة ، وربو المرح ، وعلاقة الضحك بالشيخوخة .
الموسيقى ، والنوم
وفي الجزء الاخير من الكتاب ، يناقش الدكتور مستجير " الموسيقى " كمطلب بيولوجي للإنسان ؛ فيذكر قدرة الأطفال الرضع على الإحساس بالمنبهات الموسيقية ؛ حيث تقول الأبحاث إنهم يمتلكون القدرة الموسيقية مثل الكبار ، بل هم لا يميزون فقط الاختلافات بين النغمات المتشابهة ، إنما يحسون الكُنتور اللحني ويتذكرونه ، ويستخدمون في ذلك إستراتيجية البالغين في الاستماع ، ثم يتساءل الكاتب : أهناك جين لعشق الموسيقى ؟ وبالتأكيد تأتي الإجابات مستفيضة عن : كيف نسمع ؟ ـ الأذن اليمني ليست كاليسرى ـ إدراك طبقة النغم ـ متلازمة ويليامز ـ الموسيقى والمخ ـ حِكَّة المخ ـ كيف يسمع الصم ؟ ـ خصلة من شعر بيتهوفن ـ العبقرية والوراثة ، ثم يأتي عنوانان في غاية الأهمية ، هما " النوم .. ذلك الموت الصغير " و " علم اسمه الشيخوخة " يستغرق خلالهما الكتاب في دراسات مثيرة ، ومعلومات أكثر إثارة حول النوم والشيخوخة ، وبالجملة يعد كتاب " التفسير العلمي ..." للدكتور أحمد مستجير ، إضافة كبيرة للمكتبة العربية ذات الأسلوب العلمي المتأدب ، وفيه أثار الكاتب ما يخفى غالباً من الدراسات العلمية والعملية حول ظواهر " السعادة ، الضحك ـ الموسيقى ـ النوم ـ الشيخوخة " ؛ فهو كتاب جدير باطلاع القارئ المثقف
أنشر كتابك هذا