كتاب رذاذ على زجاج الذاكرة

جلال برجس

الفكر والثقافة العامة

رذاذ على زجاج الذاكرة، كتاب اقترب من الأمكنة والناس بعيداً عن لغة الجغرافيا والتاريخ، وقريباً من لغة البعد الثالث، حيث الإحساس بما يحدث، وما حدث. من أجواء الكتاب: وأنا أنهمك بكومة أوراق على طاولة العمل ، في مكتبي ، تسللتْ إلى شرْفة القلب مسحة من عطر أثيري ،

 فانتبهتُ ، انتبه القلب ، جفلَ واستشاط. إنه عطر رومانس ، فأرخيت رأسي على طاولتي ، ورحت أتذكر: كانت تنتظرني ، في موقف الحافلات ، اقتربت منها ، مددتُ يدي فصافحتُ القصيدة. في عينيها رأيتُ بحراً بلا نهايات ، فشهقتُ بالريح وناديتُ في سرّي أن استشيطي ، ففي جعبة القلب شراعي الذي جهزْته منذ لثغتي الأولى. همستُ لها: "هل نذهب؟" فأومأت برأسها ، وكلماتها تتناثر كحبات لؤلؤ: "نعم نذهب". في المقهي كانت فيروز تغني ، وكان الصيف يَلبس قميص المساء. قالت: "قهوة ، حلوة قليلا". فطلبت فنجانين. فيروز وصَيف يلبس قميص المساء ، وقهوة حلوة ، وهي. أووووووووه ، كم كان الله يحبني، قالت: "أريد سيجارة" ، فأشعلت لها واحدة ، ورأيتها تدندن ، بمعية فيروز ، كأن نادل المقهى كان يعرف أن المساء ، بيني وبينها ، صباح.. أن الظهيرة ، بيني وبينها ، صباح.. أن الصباح ، بيني وبينها ، صباح. لم نكن نرى إلانا ، وكأن بقعة ضوء سقطت على طاولتنا ، فقط ، وكأنه اختزال زمني استثنائي. قلت لها: أفتش عن مفردة تختصر شمس حبي لك أكثر من كلمة أحبكً". قالت: "أنت أناي". قلتُ: "نحن الأنا ، أنا واحدة فقط". مددت يدي ، أمسكت يدها ، شَهَقتُ. شَهَقَتْ وبقعة الضوء ما زالت تضيء طاولتنا ، تضيء استثنائنا الزمني ذاك. رأيتنا فقدنا حبل الكلام ، فرحْتُ أعزف على أناملها ، كما لو أنها أصابع بيانو ، قطعة موسيقى نَمَتْ ، آنذاك ، في تربة قلبي. كنا نسير في الشارع بعد أن غادرنا المقهى ، وكفّي يحتضن كفها ، وإيقاع عمان ، في الليل ، يصلح لعاشقين يودان لو يقف ولد الزمن عند لحظتهما الاستثنائية. عند باب البيت ، عندما ودعتها ، رأيت شجرة صفصاف صغيرة تتمايل ، رغم أن الريح خانسة في مهدها.  

شارك الكتاب مع اصدقائك